الاعلام وصناعة البطل

مرحلة الأسطورة

في مرحلة الأسطورة من مراحل التغطية الإعلامية لمسيرة الموهوب , يصبح الاهتمام بالبطل أبعد السقف الرياضي , اذ تتسع مساحة التغطية جغرافيا , فيأخذ تأخذ الأسطورة بعدا إقليميا وعالميا , وكذلك على صعيد الأفكار والقضايا التي تطرح على لسان البطل او المهمات التي يكلف بها  .

تتشكل صورة البطل في مرحلة الأسطورة عبر مجموعة من التفاصيل التي تتجمع لتغدو الأسطورة الرياضية اكبر من اطارها الرياضي , فتحلق في سماء العالمية او الإنسانية لاسيما بعد وفاة البطل , اذ تبقى ذكراه صورة تتجدد وتتضخم مع السنين حتى قد يكتسب صفة او مجموعة صفات جديدة لم تكن في البطل يوم كان حيا فضلا عن يوم كان بطلا في الميدان ..

وعلى الرغم من ان الاساطير الرياضية ظهرت منذ وقت مبكر جداً في تاريخ الانسانية , إلا ان العقود الاخيرة شهدت غزارة و إتقاناً في هذا الانتاج وذلك بالاستفادة من تسارع حركة التطور التكنولوجي حيث تحقق المزج بين الثورات الثلاث ( المعلومات , الاتصال , الحاسبات ) اى ما يعرف بالتقنية الرقمية Digital Technology  . فضلاً عن التطور الذي حدث في عالم الرياضة , المنشآت , الرياضات  أو الالعاب , والتقنيات , والوظائف .

أما ابرز العلامات –   أن قدرة العلامات اللغوية كي تكون ذات معنى إنما يعتمد على وجودها في سياق إجتماعي , وعلى إستعمالها في ذلك السياق على نحو مقبول ومتوافق عليه –   التي تساق الاساطير الرياضية  بدلالاتها وايحاءاتها فهي :

  • ان الاساطير القديمة جمعت بين البطولة ((الدنيوية )) في منازلات المصارعة او غيرها من ضروب الرياضة  وبين المقدس والعلاقة بالآلهة .
  • إقامة المهرجانات أو الدورات الرياضية , وما يرافقها من نشاطات غير رياضية لتنتج أساطير تبقى خالدة في الذاكرة تتداولها وسائل الاعلام على وفق كل عصر , من الشفاهي الى الوسائط المتعددة , بدأت بالالعاب الجلجامشية ثم الالعاب الاولمبية القديمة , ثم الالعاب الاولمبية الحديثة , ودورات اخرى , ابرزها على الاطلاق بطولة كاس العالم بكرة القدم حيث تقام في أجواء احتفالية تنتج أساطير رياضية تعكسها مرايا رياضية ( في الملاعب ) وغير رياضية في الجوانب الثقافية والاجتماعية والانسانية .

جـ – مهرجانات توزيع الجوائز السنوية على الرياضيين الأفضل , على مستوى العالم  او القارات او على المستوى المحلي  , مثل جائزة أحسن لاعب , وجائزة الحذاء الذهبي , والقفاز الذهبي , في لعبة كرة القدم وجوائز اخرى في غير كرة القدم .

د- عقد المؤتمرات الانتخابية ( الدولية والمحلية ) وما يسبقها من معارك تزدحم بالعلامات اللغوية والصورية .

هـ – المال , يشكل علامة بارزة من علامات الاساطير الرياضية , فهو يرد بأكثر من  صيغة , عقود الاحتراف , ثروات اللاعبين , الرشى المدفوعة , الارباح التي تجنى من تنظيم البطولات , ايرادات الاندية من تجارتها الرياضية في الملابس والتذكارات وغيرها, تجارة النجوم في غير الرياضة .

و- المرأة , وتأخذ صوراً شتى , فهي المرأة الرياضية لاعبة تارة وأنثى تارة اخرى , وأيضاً هي صديقة اللاعب , أو زوجته , أو خطيبته , أو من أقربائه , او المرأة غير الرياضية التي لها علاقة بعالم الرياضة .

ز – الفضيحة , قد تكون فضيحة مالية , أو فضيحة جنسية , أو فضيحة فنية رياضية مثل التلاعب بالنتائج , أو فضيحة الخسارة الثقيلة في المباراة , وغيرها .

ح – الخيال , خلال القرن العشرين أصبحت هناك اشارات كثيرة متواترة حول انواع من الخيال , فكل جانب من جوانب الحياة وكل نوع من انواع الادب والفن والفكر – والرياضة – يمكن أن يكون متسماً بخيال خاص , وفي الرياضة يتجلى أكثر من صنف من أصناف الخيال , فهناك الخيال الاسطوري الذي يذهب الى ما وراء السطح الظاهر للأشياء ويدخل الى اعماق الخبرة الوجودية الانسانية , وفيها أيضاً , الخيال العددي , وذلك بالتركيز على أحصائيات في كل صغيرة وكبيرة , وفي إضفاء معانٍ خاصة على ارقام اللاعبين بدلالات اسطورية راسخة في الكثير من الثقافات , وفي مجال الخيال العاب الفيديو ,وألعاب الدمى التي تستنسخ على هيئات اللاعبين وغيرها من الألعاب الالكترونية التي خصص لها مؤتمر خاص من قبل الاكاديمية الأولمبية الدولية في تموز عام 2022.

ط – الانسانية , مشاركة النجوم والاندية والمؤسسات الرياضية في نشاطات إنسانية حول الطفولة , أو اللاجئين ,او التبرع بالدم , أو غيرها .

ي – السياسة , ربط الرياضة بالسياسة , إما علاقة الرياضي بالسياسة أو السياسي بالرياضة , أو جعل المناسبات الرياضية أعياد وطنية ومناسبات للاحتفالات الشعبية . او التظاهر ضد بعض الخطوات الرياضية لاسيما تنظيم البطولات لاسيما في البلدان التي تعاني ماليا .

ك – قضايا مثيرة , ربط الحدث او النجم الرياضي بقضايا مثيرة للجدل عالمياً , مثل قضية الشباب والارهاب , أو المثلية (الشذوذ) , وجعل الرياضة جزءا فاعلا في هذه القضايا , ومنها العنصرية والعرقية والطائفية , وما يدور حول الاديان …

ل- القدوة , كما في الاساطير القديمة , يقدم النجوم في الرياضة على إنهم قدوات على الرغم من ان بعض النصوص الاعلامية تتناول  سلبيات ترافق مسيرة النجم ولكن هذا لا يثلب كثيرا في نجوميته في اطار السياق العام , كما حدث قبل الاف السنين  مع جلجامش قبل ان يبدأ رحلته .

م – المشاهير , تربط النصوص الاعلامية بين مشاهير الرياضة , ومشاهير الفن والادب وعروض الازياء , مثل نجم برشلونه بيكيه والمغنية شاكيرا , ومنافسه رونالدو في ريال مدريد مع إيرينا شايك ممثلة وعارضة أزياء ونصوص اخرى .

 ن – الاستمرار , استمرار الاسطورة الرياضية , أي متابعة النجم الذي صنع منه اسطورة حتى بعد أن يغادر الملاعب , بل حتى وفاته , كما حصل مع اسطورة الكرة الهولندية يوهان كرويف الذي توفي في اذار 2016 , فكان هو العلامة الأكبر في مباريات نادي برشلونة لأسابيع تلت الوفاة .

ص – الالقاب التي تطلق على الاندية والنجوم والمنتخبات, لاسيما تلك التي تذكر بحكايات الحيوان , فهناك الثعلب والبرغوث للنجوم ومن الاندية , الذئاب , والخفافيش ,والصقور ,ومن المنتخبات , الاسود , والنسور .

الاعلام وصناعة البطل

في هذه المرحلة يشرع الموهوب بتحقيق النتائج في البطولات التي يشترك فيها لاسيما حين يمثل بلده في منافسات عالمية , وتزداد مشاركاته المتميزة فتزداد بالضرورة نسبة سطوع الأضواء المسلطة عليه , ويصبح وجها رياضيا معروفا وتوضع نتائجه على طاولة التشريح للنقد الذي قد يكون موضوعيا وقد لايكون , الا ان المحصلة على مستوى التغطية ان الموهوب يدخل دائرة الضوء وتبدأ هذه الدائرة بالتوسع ليدخلها المتعهدون والباحثون عن المواهب الواعدة بجلب المكاسب وجني الأرباح .

في هذه المرحلة من التغطية الإعلامية , يؤدي الاعلام دورين متناقضين هما , الأشراق والاحتراق , اما الاشراق فهو التعجيل بظهور شمس الموهبة في سماء اللعبة التي يمارسها الموهوب في عالم الرياضة على المستوى المحلي على الاقل كمقدمة للاندفاع ابعد في عالم النجومية إقليميا وعالميا , ومما يساعد الاعلام في أداء مهمته في هذه المرحلة كثرة الإنجازات التي يحققها الموهوب بعد ان  استحق صفة البطل , وكثرة الإنجازات ترتبط بوجوب وفرة المشاركات التي  تستلزم توفر عوامل فنية وإدارية تقع خارج اختصاص البطل وقدراته مما يعني ان هناك جهات أخرى تشارك في صناعة البطل غير اللاعب الموهوب والاعلام .

اما الاحتراق , فهي ظاهرة نفسية تؤدي بالرياضي الى ترك الممارسة الرياضية  أي الانسحاب او التدمير او فقدان الرغبة وتلاشي دافع التنافس  عند الموهوب قبل ان يصل الى أفضل مستوى متوقع منه , وتقترن هذه الظاهرة بالعديد من المشاعر والاستجابات النفسية السلبية للموهوب , تجاه نفسه والآخرين …ومن الأمثلة الواقعية على هذه الظاهرة  ,  لاعبة التبس الامريكية ” لوري كاستن ” التي أصبحت المصنفة الثانية  في بطولة أمريكا  وهي في عمر الثانية عشرة الا انها اعتزلت في سن الخامسة عشرة معلنة انها غير آسفة  على قرارها .(هلال عبدالكريم : 233 )

قد لايكون الاعلام وحده السبب الا انه من غير شك من بين ابرز الأسباب لان تلك الموهوبة  الصغيرة اشارت يومها الى ضغوط اسرتها والمجتمع الذي تعيش فيه وتلك الضغوط أساسها , الاعلام الذي يحمل الموهوبة اكبر من طاقتها عبر التغطية والاضواء التي تصبح – بسبب كثافتها – حارقة .. ولا شك ان القصص كثيرة وكل رياضي او حتى المتابع يستطيع ان يستحضر اكثر من واحدة بغمضة عين , وقد أجريت تحقيقا صحفيا حول هذه الظاهرة التي اسميتها ” الاعتزال المبكر ” عام 1979 في ملحق الرياضة والشباب في جريدة الجمهورية , ومن بين المتحدثين كان الدكتور علي كمال – رحمه الله تعالى – وهو من ابرز علماء النفس في العراق والوطن العربي , وله شهرة عالمية .

مرحلة النجومية

لا  يرتقي كل بطل الى مرحلة النجومية الا  بتغطية إعلامية واسعة ومستمرة , فقد يحقق الرياضي الموهوب نتائج باهرة في اكثر من بطولة الا انه يظل خارج دائرة الأضواء لأسباب شتى , منها انه أي الرياضي قد يكون انطوائيا لا يرغب في التفاعل مع الاعلام وشروط الظهور المستمر , وقد يكون السبب سياسيا يتعلق بانتماء الرياضي وربما يكون السبب إعلاميا , أي ان المؤسسات الإعلامية لسبب او آخر لا تغطي نشاطات بطل يحرز نتائج متميزة , ومرحلة النجومية تنقسم الى أنواع :

  • نجومية مؤقتة ونجومية مستمرة
  • نجومية حقيقية ونجومية مزيفة
  • نجومية إدارية ( او تدريبية ) ونجومية ميدانية ( اللاعب في المنافسة ) .
  • نجومية محلية ونجومية تتخطى الحدود ( إقليمية , قارية , عالمية ) .

ولكل نوع من أنواع النجومية تلك اشكال إعلامية في التغطية قد تتفق في بعض النقاط الا انها قطعا لا تتطابق في جميعها .

ومن الأمثلة الواقعية على هذه الأنواع من النجومية في الرياضة العراقية فالنجومية المؤقتة هي التي تنتهي مع الاعتزال واما المستمرة فهي التي تستمر بعد ان ينتقل النجم من نشاط الى آخر , من اللعب الى التدريب مثل الراحل عمو بابا او عدنان حمد او من اللعب الى الإدارة مثل رعد حمودي وحسين سعيد وعدنان درجال .

 واما النجومية الحقيقية  فانها  تضم قائمة طويلة لايمكن حصرها في لعبة بعينها , لذا سنختار الأبرز على الاطلاق فنعلن النجم الأول هو الخالد عبدالواحد عزيز صاحب الوسام الأولمبي العراقي الوحيد وقد احرزه في دورة روما عام 1960 بعد ان تساوى مع الرباع السنغافوري هوليانك الملقب بالنمر بالمجموعة ( 380 كغم ) الا ان رباعنا عزيز العزيز في تاريخنا الرياضي كان يزيد بخمسمئة غرام فقط على وزن السنغافوري فاحتل المركز الثالث والوسام النحاسي بعد ان صار الذهب من نصيب الروسي ( السوفيتي يومذاك ) فيكتور بوشيف في وزن الخفيف ..وللمزيد العودة الى الى موسوعة ( الحركة الأولمبية في العراق ) تاليف الدكتور ضياء المنشئ .

واما النجومية المزيفة فمثلها الأبرز في تاريخ الرياضة العراقية الدراج جورج تاجريان وما دارت حوله من حكايات وتغطيات إعلامية لاسيما في أولمبياد المكسيك عام 1968 , وللمزيد العودة الى كتابنا ( الرياضة والبيئة ) الصادر عن الاكاديمية الأولمبية العراقية ,

ولابد من إشارة عابرة الى نجومية البطل عدنان القيسي فهي لا مزيفة ولا حقيقية وانما هي نجومية استعراضية عالمية لم يكن الاعلام العراقي على إحاطة تامة بها مما جعل التغطية الإعلامية تنقسم الى فريقين ( مع وضد ) ..  فالصحفيان الكبيران إبراهيم إسماعيل ومؤيد البدري ومعهما فريق كانا في معسكر الضد والانتقاد واما الكبير شاكر إسماعيل والصحفي المثير للجدل  عبدالقادر العاني  ومعهما فريق فقد  كانا من المعجبين المؤيدين , وفي تغطية نجومية عدنان القيسي تفاصيل كثيرة تحتاج الى بحث اكاديمي موسع لمناقشتها .

اما النجومية الإدارية والتدريبية فقائمتها اكبر من ان تحصر وقد بدأ خطها الصحفيان الكبيران إبراهيم إسماعيل وشاكر إسماعيل في مجموعتهما المصورة التي نشرت في نهاية خمسينات القرن الماضي اذ ذكرا( رجل السيف والرياضة  رفيق عارف ..صاحب فكرة انشاء ملعب الجيش في معسكر الرشيد ) و (ربان الرياضة الأسمر ..كاظم عبادي الذي كان يومها الرئيس الفخري لاتحاد كرة القدم ) و ( رئيس اللجنة الأولمبية العراقية عبدالله المضايفي وتاريخ فريق الحرس الملكي ) و( الاب الروحي للرياضة العراقية ..اكرم فهمي ) ثم تذكر المجموعة التي صدرت بعنوان ” أبطالنا ” عددا من اللاعبين في تلك السنين  موزعين على انديتهم , الميناء , القوة الجوية , المصلحة فضلا عن ابطال الكرة الطائرة وكرة السلة .

وتطول القائمة ففي الإدارة الرياضية العراقية الكثير من النجوم الذين استمر تألقهم في إدارة العابهم من مواقع إدارية مختلفة , نذكر – على سبيل المثال ليس الا – علي الصفار في السلة وأبو عوف في القدم وصباح عبدي في الاثقال وقاسم السيد في المصارعة وقبله الكبير عباس الديك واليوم محمد حسن جلود الذي فاز برئاسة الاتحاد الدولي لرفع الاثقال , ونذكر ظافر عبدالامير في الشطرنج وسعد المشهداني في الرماية , وأسماء أخرى كثيرة .

اما نجوم التدريب واللعب فهم اكثر من ان نحددهم فضلا عن ان نجومية الكثير منهم في مختلف الألعاب مازالت ساطعة , ويمكن العودة الى موسوعة المنشئ التي سبقت الإشارة اليها وكذلك الى موسوعته عن العاب القوى العراقية , وفي نجومية الرياضة النسوية العودة الى كتابنا ” رائدات في الرياضة العراقية ” الصادر عن الاكاديمية الأولمبية العراقية .

 اما النجومية المحلية فتلك التي تكون على مستوى البلد وذلك بسبب محدودية اللعبة أو ندرة المشاركات الخارجية او  عدم دعوة اللاعب الى المنتخب الوطني لوجود اكثر من لاعب بمستوى متقارب  كما في الألعاب الجماعية او لأسباب أخرى تتعلق بطبيعة مجتمع اللعبة !

ان مساهمة  الاعلام في صناعة البطل او رعاية الموهوب , يمر في محطات من التفاصيل التي توصل الى النتيجة النهائية منها :

  • الايمان بمشروع البطل ( فرديا كان او جماعيا )
  • اختيار الخطاب الإعلامي المناسب لكل من , اللاعب مشروع البطل , المدرب , الإداري , المسؤول , والجمهور .
  • تعاطي كل هؤلاء مع الاعلام , من جهة تفاعلهم مع ما يطرح وتقبل الاعلام لردود أفعالهم وتفهمه لرغباتهم وطبيعة كل منهم , مشاعره , مستوى ثقافته , محيطه ( بيئته ) …

الاعلام وصناعة البطل

البيئة بعد الموهبة :

بعد ان حددنا شرط الموهبة في ظهور البطل , فان الشرط الاخر هو وجود البيئة المناسبة التي ينشأ فيها الموهوب ويتحرك , سواء البيئة المادية ( الطبيعية ) ام البيئة الاجتماعية , وقد فصلنا هذه الفكرة  في كتابنا ” الرياضة والبيئة ”  ونختصر فنقول , البيئة الطبيعية تتعلق بالجغرافية والمناخ – عموما – وبالمنشآت الرياضية من قاعات وملاعب ومساحات خضراء ودرجة نسبة التلوث , وكذلك جمال تصميم المدن ومعالجة الضوضاء فيها وغيرها من الأمور المادية في البيئة التي تتفتح فيها مواهب مشروع البطل  من آلات وأدوات .

اما البيئة الاجتماعية , فهي كل العلاقات التي يدور في فلكها مشروع البطل , الاسرة , المدرسة , الشارع , الأقران , الملعب الشعبي , المركز او النادي الرياضي , النادي الاجتماعي , القدوات , ولاشك ان كل مفردة من هذه المفردات لها إمتدادات كثيرة وقواعد خاصة تتحكم بكيفية التحرك داخلها وملاءمة  التعاطي معها .

وهناك بيئة اجتماعية سليمة تكون فيها كل المؤسسات المجتمعية التي ذكرناها آنفا تؤدي دورها بالطريقة الصحيحة التي تساعد على البناء النفسي السليم , وهناك البيئة الاجتماعية المسمومة بمصطلح عالم الاجتماع الأمريكي جيمس غريبنر , حيث الحروب والكوارث والمخدرات والعصابات والغش والعنف , وغيرها من السموم التي تؤثر سلبا على البناء النفسي للشبان والشباب , بل المجتمع عموما .

بين الواقعي والافتراضي :

الرياضة في العالم الافتراضي بدأت تأخذ قدرا أوسع من الاهتمام من خلال البحوث والمقالات وعقد الندوات والمؤتمرات , ولعل تخصيص الاكاديمية الأولمبية الدولية تجمعها الخامس عشر في اولمبيا في تموز ( يوليو ) 2022 لمناقشة الرياضات الالكترونية بكل تفاصيلها وجدية دراسة تضمينها الألعاب الأولمبية لاسيما وان اللجنة الأولمبية الدولية تبدي اهتماما ملحوظا بالرياضات الالكترونية , كما نشر في اعلان القمة الأولمبية الثامنة 2019 ” فيما يتعلق بالألعاب الالكترونية التي تحاكي الرياضة , ترى القمة إمكانات كبيرة للتعاون وإدماجها في الحركة الرياضية , وقد أصبحت العديد من المحاكاة الرياضية اكثر فأكثر بفضل الواقع الافتراضي والواقع المعزز , التي تكرر الرياضات التقليدية ” ( البروفيسور آن تجوندال – النرويج – الاكاديمية الدولية تموز 2022 ) .

وقبل شهر من دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو  عام 2021 عقدت اللجنة الأولمبية  الدولية  السلسلة الافتراضية الأولمبية وهي علامة فارقة في تاريخ كل من الرياضة  الالكترونية وكذلك الحركة الأولمبية , فقد كانت التوصية “تشجيع وتطوير الرياضات الافتراضية وزيادة الانخراط مع مجتمعات العاب الفديو ” لقد كان الحدث ناجحا  حيث تم تسجيل مليوني مشارك وكان الإصدار يتضمن خمس العاب فقط ( سباقات sim  والتجديف والدراجات والبيسبول والابحار ) وتتطلع اتحادات كرة القدم وكرة السلة والتنس والتايكواندو لاستكشاف هذا الحدث . ومع  نهائيات المسابقات والمعارض والدورات التعليمية التي ستقام في سنغافورة بداية العام المقبل 2023 سيكون هناك اصدار جديد من السلسة الأولمبية الافتراضية , بما يمكن ان يكون مهرجانا اولمبيا للرياضات الافتراضية , فلرياضات الالكترونية المختارة هي تمثيلات رياضية معروفة بالفعل ومنظمة من قبل الاتحادات الدولية , بحيث يتم نقل القيم التربوية التي تروج لها  بطريقة ما الى البيئة الافتراضية ( راوني توليدو – البرازيل – مؤتمر الاكاديمية الأولمبية  الدولية –  تموز 2022 ) .

البطولة بين اعلامين :

ربما هي المرة الأولى التي يتم فيها الفصل بين اعلامين رياضيين , الأول , الاعلام الرياضي العام  الذي نعرفه ونتعامل معه بوجهيه التقليدي والجديد , وابرز سماته :

والثاني الاعلام البيئي الأولمبي , وهو الاعلام الذي ندعو الى التمسك بمبادئه لانه يمثل حقيقة الروح الرياضية التي قامت عليها المنافسة الرياضية منذ الألعاب الجلجامشية في وادي الرافدين ومن ثم الألعاب الأولمبية القديمة بعد قرون في أولمبيا في أثينا وكذلك الألعاب الأولمبية الحديثة التي بعثها المدرس المربي الفاضل بيير دي كوبرتان 1894 اذ أقيمت اول دورة اولمبية حديثة بعد عامين 1896 ..

ويسعى الاعلام البيئي الاولمبي  الى تحقيق جملة  من الاهداف التي يؤدي انجازها الى وجود بيئة رياضية  افضل وابرزها:

  • تحقيق التوازن بين النشاط الانساني من جهة واستخدامه الطبيعة وعناصرها من جهة اخرى .
  • الارتقاء بالوعي البيئي وذلك عن طريق توفير المعلومات والبيانات المتعلقة بالتعاطي مع البيئة الرياضية الطبيعية والبشرية  .
  • تبني وطرح المبادرات التي من شأنها المساهمة بحماية البيئة  الرياضية .
  • التعريف بالامن البيئي الرياضي  وكل ما يرتبط بالموارد وكيفية استثمارها .
  • التعريف بعلم الجمال البيئي كحقل معرفي جديد ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين وحقوله ..البيئات الطبيعية , بيئات الانسان الطبيعية مثل الحدائق والمزارع والبيئات الحضرية المعمارية ثم جماليات الحياة اليومية , اي بيئتنا المكانية وكل الانشطة الانسانية  لاسيما الرياضية منها  .
  • متابعة الاهتمام الدولي لمشاكل البيئة بتغطية كل المؤتمرات والنشاطات التي تعقد وتقام من اجل الحفاظ على البيئة كما في المناسبات الرياضية .
  • تحريك الرأي العام ودق جرس الانذار مبكرا بشأن اي ممارسة تؤدي الى الاضرار بالبيئة . عموما والرياضية خصوصا.  

ويمكن ان نقول لغرض التوصيف والتصنيف اعلام الاحتراف الرياضي واعلام الهواية الرياضية او اعلام المبادئ الأولمبية .

وكي لا نضيع في التفاصيل فاننا سنذكر علاقة الاعلام  باعداد البطل وكأنه اعلام واحد مع الإشارة عند الضرورة اثناء السياق الى الفروق في رسالة كل منهما , وذلك لان الوسائل واحدة وانما الفرق بين الاعلامين ينحصر في الأهداف وفي اعداد الرسائل التي تقود اليها .

تمر تغطية مسيرة الموهوب – الذي يصبح بطلا –  إعلاميا في مرا حل , علما ان كل بطل هو موهوب .. ولن يصبح كل موهوب بطلا  :

  • مرحلة الظل
  • مرحلة النبوغ
  • مرحلة النتائج – البطولة
  • مرحلة النجومية
  • –          مرحلة الأسطورة

 قد لا توجد  تغطية  إعلامية واضحة  للموهوب في مرحلة الظل , أي بدايات تشكل البطل وذلك لان معالم النبوغ لن  تكون ملحوظة الا من قبل القلة المحيطة بالموهوب , أسرته ومدربيه وعدد من زملائه , ويتغير حال التغطية في مرحلة النبوغ اذ تبدأ النتائج تتحقق على المستوى المحلي , فتكون التغطية الإعلامية محصورة بالتبشير بإمكانية وجود موهبة ومن ثم ولادة بطل , وتبقى التغطية محصورة في بعض الإعلاميين من اهل الخبرة والنظرة المهنية الثاقبة , او من الإعلاميين ” الأصدقاء ” أي تربطهم علاقة صداقة تمتد لسنوات مع المدرب او النادي الذي يلعب فيه الموهوب او ربما حتى مع عائلة الموهوب .

قراءة متسلسلة في كتاب (الاعلام وصناعة البطل) لمؤلفه د.هادي عبد الله مدير الاكاديمية الاولمبية العراقية

الملحمة .. الاعلام

كما ان جلجامش اول بطل في التاريخ , فإن الملحمة المسماة باسمه بألواحها الأثني عشر كانت فضلا عن مكانتها الأدبية , اول  محتوى اعلامي منوع في التاريخ ومن بين فقرات هذا المحتوى ما يخص الرياضة , اذ وصفت الملحمة وصف فنيا دقيقا نزال المصارعة للبطل جلجامش , جاء فيها :

تلاقيا في سوق البلاد

أي ان النزال كان له مكانا محددا

” أمسك أحدهما بالآخر وهما متمرسان بالصراع “

وهذا وصف يؤكد طريقة المصارعة بالمسك واستعمال الايدي , أي هناك قواعد متفق عليها

” وتصارعا وخارا خوار ثورين وحشيين “

” حطما عمود الباب وارتج الجدار

وظل جلجامش وانكيدو يتصارعان كالثورين الوحشيين

وحين انثنى جلجامش وقدمه ثابتة في الأرض ليرفع أنكيدو  هدأت سورة غضبه , واستدار ليمضي “

ان البطل جلجامش الذي استطاع ان يرفع خصمه انكيدو وقدمه ثابتة في الأرض , يبدو انه وصل الى نهاية الصراع الذي يقضي برفع الخصم ثم طرحه ارضا على ان تكون القدمين ثابتتين .

ان هذا الوصف الدقيق يعبر بأمانة عن ذلك النزال التاريخي , فهو وصف لأول نزال مصارعة موثق في التاريخ بين بطلين قويين وعلى وفق شروط معلنة .. انها اول مباراة رياضية سجلت في تاريخ الحضارات .( السهروردي : 69 )

وهذا يعني ان الملحمة دونت اول مباراة رياضية , فكانت – بحق – اول محتوى اعلامي رياضي في التاريخ , ان زمن تدوين الملحمة يرقى الى مطلع الالف الثاني ق. م ., أي الى العهد المعروف في تاريخ حضارة وادي الرافدين بمصطلح العهد البابلي القديم ( 2000 – 1500 ق. م. )والذي تميز بحركة كبرى في التأليف والجمع والتصنيف في شتى صنوف المعارف والعلوم والآداب . والمرجح ان الملحمة صارت في شكلها النهائي ما بين العصر البابلي القديم والعصر الكشي ( 2000 – 1200 ق.م ) وعلى وجه التخصيص في حدود ( 1250  ق. م .)  على يد الجامع الذي ورد اسمه بهيئة ” سين – ليقي – أونني ” ( طه باقر : 56 ) وبذلك فان هذا المحتوى الإعلامي الرياضي سبق بقرون الأناشيد الأولمبية .

تلك الأناشيد

 التي كان يؤلفها الشاعر الاغريقي بنداروس , وهو شاعر غنائي عاش في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد وعلى الرغم من ان له مؤلفات كثيرة الا ان أروع ما كتب هو أناشيد النصر لمدح الفائزين في الدورات الأولمبية  ( محيي الدين مطاوع : 141 )

تروي الملحمة في اللوح السادس نصوصا خاصة بالبطولة والفروسية والمصارعة , وقدت وجدت نسخا من الملحمة في أماكن متفرقة من مدن ذلك الزمان مما يشير الى انتشارها لاسيما الروايات الشفوية التي لاشك تنتقل بأسلوب ما يسمى في مصطلحات عصرنا ” الاتصال على مرحلتين ” أي هناك من يقرأ او يسمع الملحمة ثم ينقلها الى الاخرين وهكذا .

ان جلجامش بطل حقيقي تحول الى اسطورة ثلثه انسان وثلثاه آلهة , كما اسطورة برج بابل وغيرها , فالناس تتناقل الأسطورة من جيل الى جيل وكان اجدادهم قد تسنى لهم العيش في ظلال تلك المعابد ومشاهدة الكهنة يصعدون سلالم الأبراج ( الزقورات ) وينزولون منها  حقيقة ( رونالدو وولي : 69 )

مع تباعد الزمن تحولت الحقائق الى اساطير ورموز , فالعقل البشري محتاج بطبيعته الى الرموز , فالمعرفة البشرية الإنسانية بالضرورة هي معرفة رمزية , وهذه الخاصية تضفي عليها صفتي القوة والتحديد , كما انها تكسب حياة الانسان دائما مزيدا من الثراء والتطور والتجديد ,وفي هذا يتفق الانسان في الزمن القديم مع الانسان الحديث , الا ان الأخير يضع حدا فاصلا بين الرمز والشيء , اما الأول فلم يميز بين الرمز والشيء ( نبيلة إبراهيم : 76 ) .

ولابد ن الإشارة الى ان الأناشيد

 الأولمبية للشاعر بنداروس كانت تتضمن , اعلان الفوز ثم سطور انتقالية ثم الأسطورة وهي أهم جزء في الانشودة (مطاوع :  145 )

وقبل طي صفحة التاريخ ,لابد ان نشير الى انه ورد في تقويم بابلي عن شهر آب ( أغسطس ) انه شهر جلجامش الذي تقام فيه المصارعة بين الرياضيين على مدى تسعة أيام ( طارق الناصري : 14 ) .

وهذا دليل على تكريم البطل جلجامش كما تقام اليوم دورات وبطولات باسم مشاهير الرياضيين في ألعابهم .

يولد البطل ام يصنع ؟

لا هذه ولا تلك , فالأنسان يولد بصفات بدنية و نفسية معينة تكاد لا تتماثل  بين إثنين من بني آدم مثل ما هي بصمة العين وبصمة الابهام , ولكن قد تكون متقاربة في بعدها العام لدى اشخاص ,  من قبيل البسطة في الجسم والحكمة , والكثير من الصفات تكتسب بالتربية والتنشئة ..وهذا يعني ان البطل يولد ويصنع , اذ ليس ممكنا ان يصنع بطل لم ينعم الله تعالى عليه بصفات البطولة , والبطولة هنا نعني بها التميز عن الاخرين وتحقيق ما لا يستطيع غيره تحقيقه ممن نشأوا معه , أي انه يمتلك موهبة  ترعى فتنمو , في الرياضة او في الادب او الفن او في علوم السياسة وعلوم الحرب او في العلوم الصرفة او في أي ميدان من ميادين الحياة .

وهكذا تستقيم المعادلة لا بطل من غير موهبة , ولا بطل من غير تنمية تلك الموهبة ورعايتها , ولعل كل واحد منا يحتفظ في ذاكرته بعدد من أسماء معارفه الذين يشعر ان الأيام ظلمتهم وكان بالإمكان ان يكونوا ابطالا لو ان يد الرعاية تعهدتهم , وفي عالم الرياضة عشرات ربما مئات الأمثلة القريبة والبعيدة مكانا وزمانا .