رائدات في الرياضة العراقية

الاكاديمية الأولمبية العراقية

رائدات في الرياضة العراقية

د . هادي عبدالله العيثاوي

2022

الأهداء..

الى المربية الفاضلة المدرسة في دار المعلمات في بغداد عام 1935 اللبنانية الرائعة وداد غبريل ..

الى رائدات الرياضة النسوية في العراق تحديا ونصرا وعوائل كريمة زرعت الثقة في نفوس بناتها ..

الى عمادة وتدريسيات وطالبات واداريات كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات منذ التأسيس حتى يومنا هذا ..وما بعده ..

الى اللجنة النسوية في اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية .. مزيدا من الدعم

الى كل رياضية تؤمن بان الرياضة شغف وفضيلة ..

د . هادي عبدالله العيثاوي

مدير الاكاديمية الأولمبية العراقية

مقدمة

الريادة .. هي السبق في دخول ميدان من ميادين الابداع , على ان يكون هذا السبق مبنيا على الوعي والشغف والرغبة المقرونة بالعمل في العطاء وشق طريق وتعبيده للسائرين فيه مستقبلا …

من هذا المفهوم انطلقنا في هذه الدراسة عن الرياضة النسوية في العراق , وهي دراسة  استطلاعية في التاريخ الاجتماعي , أي اننا شرعنا في استكشاف البدايات على ما توفر بين أيدينا من مصادر , وما زال مجال البحث واسعا للإلمام بهذا الموضوع الحيوي الذي لابد ان تتضافر جهود الباحثين في كشف خباياه لاسيما  أساتذة وطلبة كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة في العراق وهي كثيرة .

سوف نعرض في هذا الكتاب جانبا من مسيرة عدد من الرائدات في الرياضة العراقية في جيلين – ليس الكل – على وفق تحديدنا لمفهوم الريادة  وعلى ما أتيح من عينة للدراسة .

 وكلنا أمل ان يواصل الطريق باحثون آخرون لإكمال ما بدأناه ..اشكر الأستاذ المساعد الدكتور البطلة العراقية المميزة في العاب القوى ايمان صبيح على ما بذلته من جهد مخلص لانجاز هذا الكتاب ومن ثم مراجعته وكذلك اشكر السيدة منى احمد في اعلام اللجنة الأولمبية والانسة هنادي محمد مديرة العلاقات في الاكاديمية الأولمبية العراقية على ما قدمتاه من عون في التواصل والمتابعة  , كما اشكر عمادة وأساتذة وطالبات كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات – جامعة بغداد على تشريفي بالانضمام لاكثر من لجنة مناقشة في دراساتهم العليا مما فتح امام ناظري الطريق واسعا للمضي في البحث وإنجاز هذه الدراسة التي اوجزتها في هذا الكتاب ..للجميع شكري واعترافي بالفضل .

لله تعالى الفضل أولا وأخيرا .. سبحانه ذو الفضل العظيم ..

د . هادي عبدالله العيثاوي

بغداد – السيدية 2022

التاريخ الرياضي

يقول كونفيوشيوس حكيم الصين في القرن السادس قبل الميلاد ” ان الناس منذ القدم يدرسون الماضي من اجل تطوير انفسهم ” .. ويرى الكثير من اهل الادب والاعلام أيضا حسما لمقولة , هل التاريخ علم او ليس علما , ان  التاريخ  فن من الفنون التي لا غنى لها عن الخيال .. أي الكتابة الأدبية .

وقد برهن تطور البحث العلمي على ان التاريخ علم الا انه ليس كعلم الكيمياء – مثلا – علم تجارب واختبارات ولا هو مثل علم الفلك علم معاينة مباشرة ومتابعة دؤوبة , انما التاريخ علم نقد وتحقيق , وتقوم أهمية البحث التاريخي وتحدد قيمته اعتمادا على المصادر التي يستقى منها الباحث معلوماته , ومن بين ابرز المصادر الاثار القديمة والأصول والوثائق والنقوش والمراسلات (سيد احمد الناصري : 2002 ) .. والمقابلات ..والتاريخ الرياضي حقل من حقول التاريخ الاجتماعي وهو كما حقول التاريخ جميعا , البحث فيه يعتمد على نوعين من المصادر :

هناك مصادر أولية ومصادر ثانوية في البحث  التاريخي ومن اشهر المصادر الأولية وهي التي تكون الأقرب للواقع والأكثر تمثيلا للحقيقة ,  الاثار- بانواعها ومستوياتها –  والسجلات والوثائق والمقابلات مع شهود العيان او أصحاب السير المكتوب عنها .. ومن المصادر الثانوية الدراسات والبحوث السابقة والصحف بل كل وسائل الاعلام الموثوقة وفي كل الأحوال وبرغم افضلية المصادر الأولية الا ان الباحث يجب ان يستفيد من كل المصادر متوخيا الدقة متسلحا بالنقد والتحقيق .

ويلاحظ في البحث التاريخي عدم الإجابة على أسئلة محددة او طرح فروض لغرض اختبارها باستعمال الطرق الإحصائية انما  يتم اعتماد المنهج الكيفي لانه جوهر المنهج التاريخي ( عادل العدل : 2014) ..

وفي اطار هذا المنهج يمكن تلخيص أهمية بحثنا هذا في سعيه الى :

إيجاد العلاقة بين الظاهرة المدروسة وهي الرياضة النسوية وبين البيئة التي نشأت فيها .

إيجاد حلول لمشكلة معاصرة وهي تراجع الرياضة النسوية من خلال خبرات الماضي

وحرصا على اصالة بحثنا فقد امتد العمل فيه لمدة تزيد على الأربع سنوات وذلك لان مصادره الأولية تعتمد على رائدات الرياضة العراقية وهن  في أماكن متفرقة داخل وخارج العراق , فأصالة البحث تعتمد على ” الحصول على المعلومات التاريخية الاصيلة وهذا يتطلب من الباحث الاعتماد على المصادر الأولية للمعلومات ” ( منال المزاهرة :2014 ) وفي بحثنا اعتمدنا المقابلات مع الرائدات  عبر وسائل التواصل الالكتروني – عن بعد – لاسيما ان البحث في إنجازه  تزامن مع جائحة كورونا فضلا عن وجود بطلات في المهجر , وقد تركنا  للرائدات – عينة البحث – الادلاء بآرائهن وافكارهن وحتى انطباعاتهن بكل حرية لأننا ندرك أهمية ذلك في التفسير الذي استعنا خلاله ببعض ادوات السيميائية لاسيما ما يتعلق بصور بعضهن ..

فالصورة سيميائيا هي علامة او مجموعة من العلامات المرئية وقد توجد علامات ضمن العلامات مثل الملابس ولغة الجسد , والصورة نص بصري مرهون غناه الدلالي بقدرته على الاستعانة بالخبرة الإنسانية في كل ابعادها “( هادي العيثاوي : 2017 ) .

ان الدراسات السابقة في التاريخ الرياضي العراقي تكاد تكون قليلة قياسا لغنى هذا التاريخ , وتلك الدراسات على قلتها تناولت العابا محددة ..ومن الدراسات المميزة , دراسة  التطور التاريخي لكلية التربية الرياضية وهي رسالة ماجستير تقدم بها الباحث مهند عبدالاله عزيز الى مجلس كلية التربية الرياضية – جامعة بغداد باشراف كل من الأستاذ الدكتور منذر هاشم الخطيب والأستاذ الدكتور كامل طه الويس عام 2005 , ولعل الأهمية الأبرز لهذه الرسالة انها عكست دور كلية التربية الرياضية وقبلها المعهد العالي للتربية لبدنية في تطور الحركة الرياضية العراقية ..

ومن الدراسات القريبة في موضوعها لدراستنا , أطروحة الدكتوراه التي تقدمت بها الباحثة نضال هاشم غافل الى مجلس كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات عام 2019 باشراف الأستاذ المساعد الدكتور اسيل جليل والأستاذ المساعد الدكتور زينب علي الموسومة “المشاركات النسوية العراقية بالعاب القوى من عام 1948 لغاية 2017” .كما لابد من الإشارة الى رسالة الماجستير الموسومة “واقع الرياضة النسوية في محافظة السليمانية “التي تقدمت بها الباحثة كه زا ل كاكه حمه  سعيد الى مجلس كلية التربية الرياضية – جامعة السليمانية باشراف الدكتور تيرس عوديشو عام 2001 وهي دراسة في غاية الأهمية اذ تناولت تاريخ وواقع الرياضة النسوية في إقليم كردستان العراق .

دراسة أخرى مميزة في  التاريخ الرياضي العراقي موسومة ” تاريخ رياضة المعاقين في العراق ..بحث تاريخي , أطروحة تقدمت بها زينب علي عبدالامير الى مجلس كلية التربية الرياضية للبنات / جامعة بغداد باشراف الأستاذ الدكتور عبدالوهاب مجيد والأستاذ المساعد الدكتور منال عبود العنبكي عام  2008 .

اما الكتب ,  فأبرز من كتب في  تاريخ العراق الرياضي , الدكتور نجم الدين السهروردي والدكتور ضياء المنشئ .. والدكتور منذر الخطيب .

المدرسة أولا :

في الرياضة النسوية كانت المدرسة هي الأساس الذي قامت عليه هذه الرياضة , وقد كانت الدعوة مبكرة – الى حد ما – اذ كتب مهدي منجي في مجلة “التربية البدنية والكشافة “الصادر في 15 شباط عام 1935 مقالا بعنوان “الرياضة البدنية ونصيب مدارس البنات منها ” جاء فيه :

” وبهذا الصدد اقترح على وزارة المعارف ان تأخذ بيد طالباتنا في هذا السبيل وتهتم في امر أكثار دروس الرياضة البدنية في هذه المدارس وجمع المعلمات القائمات بتدريس دروس الرياضة في الثانوية المركزية للبنات ( لوسع ساحتها ) مرتين في الأسبوع على الأقل لأعطائهن دروسا عملية لانواع الرياضة البدنية الخاصة للبنات من قبل مدرسة الفرع  المذكور في هذه المدرسة او غيرها من اللواتي تجد وزارة المعارف فيها المقدرة على تدريس الرياضة البدنية وذلك لتزيد معلوماتهن …وارجو ان لايغضب المعلمات ان قلت ان معظمهن لايحسن تدريس دروس الرياضة البدنية على الوجه الصحيح الحديث لعدم تمرينهن التمرين الكافي على ممارستها ..صفوة القول : –

يجب ان يعتنى في حركة الرياضة البدنية بمدارس البنات كما هي الحال في مدارس البنين “.. وتحت المقال يعقب المحرر كاتبا ” عهدت وزارة المعارف في الآونة الأخيرة تدريس معلمات الرياضة والألعاب الى مدرسة الفرع في دار المعلمات وذلك مرة في الأسبوع وان هذه الدروس سائرة بانتظام ونجاح تامين وهي مفتقرة الى ساحات منتظمة مجهزة بالادوات الحديثة الكاملة ليكون التطبيق فيها أكثر فائدة وأعم نفعا .فنرجو من وزارة المعارف الاهتمام الزائد بإيجاد ساحات الألعاب التي بحاجة شديدة اليها جميع المدارس للبنات والبنين ” ص17 .

من هذا المقال ومن ثم التعقيب نؤشر جملة استنتاجات ابرزها :

  • ان مدارس البنات على قلتها كانت تدرس لطالباتها التربية البدنية .
  • ان التدريس لم يكن بالمستوى المطلوب لعدم تخصص المعلمات .
  • ان تلك المدارس كانت تفتقر للساحات النظامية المؤهلة لتدريب الطالبات .
  • عدم وجود أجهزة حديثة لانجاز مهمة التدريس او التدريب كما يجب .
  • ان نخبة من المجتمع كانت تدعو للاهتمام بالتدريب البدني .

ان كسر الجمود والبدء في درس الرياضة كان – الى حد كبير – بفضل المدرسات الاجنبيات اللاتي كن يدرسن في دور المعلمات , وكذلك العربيات ففي عدد شهر آب 1935 من مجلة التربية البدنية والكشافة نقرأ في ص19 موضوعا عن ” قوانين كرة الشبكة ” بقلم الآنسة وداد غبريل المدرسة في دار المعلمات , وهي مدرسة لبنانية تخرجت عام 1925 عمرت الى ما بعد المئة عام بعقد وقد اشتهرت بكتابها ” التربية قبل التعليم ” وبمقولتها حين تجاوزت المئة عام وهي تعمل بنشاط ” لا وقت عندي للموت او التقاعد ” ( موقع ويكبيديا – اب 2014 : المتابعة الواحدة ظهرا 20 / 2/ 2022  ) درست في دار المعلمات  في بغداد , ويعني نشر الموضوع وهو يخاطب اللاعبات بان اللعبة كانت موجودة قبل هذا العام – 1935 – وتجري ممارستها من قبل الطالبات وان كان على نطاق محدود .

في عام 1943 ادخل لأول مرة منهج التربية البدنية في المدارس , وفي عام 1965 نظمت مديرية التربية الرياضية العامة لأول مرة سباق في العاب القوى للبنات للمدارس المتوسطة والثانوية (كه زال : 13 ) ..اما الرياضة الجامعية للبنات فقد اخذت شكلا منظما حين تم افتتاح قسم التربية الرياضية في كلية البنات العام الدراسي 1955 – 1956  وتطور الحال بعد تأسيس جامعة بغدا د عام 1957 ( الخطيب : 1988 :287 ) . في عام 1973 – 1974 أصبحت كلية التربية الرياضية في جامعة بغداد مختلطة تضم الجنسين الذكور والاناث وفي  العام الدراسي 1976 – 1977 تم إضافة مقررات دراسية خاصة بالطالبات .( مهند عبدالاله : 52 ) .

ثم انطلق قطار الرياضة النسوية وشهدت مسيرته محطات مميزة على المستوى المحلي والعربي والقاري  اذ تألقت بطلات على المستويين الرياضي والاجتماعي فكان وصف الرائدات جديرا بهن .

استنتاجات :

ولعل ابرز إستنتاجات  الدراسة يمكن ان نوجزها :

  • ان الاهتمام بالتربية البدنية بدأ مبكرا مع تأسيس المدارس .
  • ان ابرز معوقات نجاح درس التربية البدنية كان غياب الملاك المتخصص باستثناء بعض المدرسات غير العراقيات .
  • ومن المعوقات ايضا عدم وجود الساحات النظامية لممارسة درس الرياضة ومازالت هذه المشكلة قائمة حتى اليوم اذ تفتقد الرياضة العراقية للمنشآت الرياضية الحقيقية .
  • ومن المعوقات ايضا الافتقار الى التخطيط  وهي مشكلة ما زالت قائمة .
  • من النتائج الايجابية ان أصواتا كانت تنادي بضرورة الاهتمام بالتربية البدنية للبنات وكانت تلك بوادر الاعلام الرياضي كما تجلى في مجلة التربية البدنية والكشافة عام 1935.
  • ان قطار الرياضة النسوية اندفع بسرعة مشجعة منذ النصف الثاني من القرن الماضي بفضل ظهور الرياضة المدرسية والجامعية .
  • ان عددا من البنات المتميزات بالجرأة والاقدام تساندهن عوائل متفتحة استطعن شق الطريق والتأسيس لرياضة نسوية ذات ملامح مبشرة .
  • ظهور العوائل الرياضية التي شكلت عنصر تنوير في المجتمع .
  • ان عددا من المسؤولين في الدولة العراقية كانوا بمستوى المسؤولية مما سهل مهمة البنات البطلات .
  • استطاعت المرأة الرياضية العراقية ان تثبت جدارة عربية وقارية في اكثر من لعبة لاسيما في ثمانينيات  القرن الماضي على الرغم من الاوضاع ا المضطربة ( الحرب العراقية الإيرانية من 1980 الى 1988 ).
  • ان رائدات الرياضة العراقية كن شعلة تنويرية في المجتمع العراقي ثقافة وسلوكا .
  • ان معضلة الملاعب النظامية ظلت عقدة مستديمة في الرياضة العراقية ومثلها غياب التخطيط مما ادى الى وأد الجهود الكبيرة التي بذلتها باخلاص الرائدات .

 ان هذا  القطار تباطأت حركته بعد 2003 وصارت الرياضة النسوية بانتظار رائدات بوصف آخر , هن رائدات التجديد لإكمال خطوات الجيل الأول والثاني اللواتي شكلن  مادة دراستنا هذه وجوهر كتابنا المستمد منها .

بعد هذه السياحة التاريخية العلمية نقدم الرائدات بسير موجزة كما احببن ان يعبرن عن انفسهن او على وفق ما قدمن من معلومات مؤكدين ان لغة صياغة الكتاب غير لغة الدراسة العلمية أي اننا فتحنا النوافذ للمشاعر كي  تنطلق  فتحلق في سماء البلاغة العفوية ..

 ولابد من تثبيت ملاحظات :

  • اننا اخذنا عينة متاحة من الرائدات فلم نستطع الوصول الى الجميع ومقام كل واحدة منهن محفوظ في ذاكرة الوطن وهو محاط بأكليل لاحترام والتقدير .
  • اضفنا ملاحق من باب التوثيق والتقدير والاكبار أيضا .
  • التوصية الأبرز ان تبادر كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات بتخصيص رسائل واطاريح عن تاريخ الرائدات في الرياضة النسوية العراقية  بعد ان فشلت الاتحادات الرياضية بمهمة التوثيق.
  • ان تخصص مادة دراسية للمرحلة الأولى في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات تتناول هذا التاريخ المشرف المتوهج كفاحا وتحديا وانتصارات فالرائدات قدوات .
  • حرصنا على نشر اكبر عدد من أسماء وصور الرائدات حتى من لم تشملهن عينة الدراسة  لسببين , الأول احتراما وتكريما لهن والثاني خدمة لمن سيبحث بعدنا في الموضوع لاسيما في سيميائية الملابس , والتواصل الرياضي ,  وتاريخ المجتمع العراقي ..ودور المرأة في المجتمع بشكل عام .
Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *