الاعلام وصناعة البطل

في هذه المرحلة يشرع الموهوب بتحقيق النتائج في البطولات التي يشترك فيها لاسيما حين يمثل بلده في منافسات عالمية , وتزداد مشاركاته المتميزة فتزداد بالضرورة نسبة سطوع الأضواء المسلطة عليه , ويصبح وجها رياضيا معروفا وتوضع نتائجه على طاولة التشريح للنقد الذي قد يكون موضوعيا وقد لايكون , الا ان المحصلة على مستوى التغطية ان الموهوب يدخل دائرة الضوء وتبدأ هذه الدائرة بالتوسع ليدخلها المتعهدون والباحثون عن المواهب الواعدة بجلب المكاسب وجني الأرباح .

في هذه المرحلة من التغطية الإعلامية , يؤدي الاعلام دورين متناقضين هما , الأشراق والاحتراق , اما الاشراق فهو التعجيل بظهور شمس الموهبة في سماء اللعبة التي يمارسها الموهوب في عالم الرياضة على المستوى المحلي على الاقل كمقدمة للاندفاع ابعد في عالم النجومية إقليميا وعالميا , ومما يساعد الاعلام في أداء مهمته في هذه المرحلة كثرة الإنجازات التي يحققها الموهوب بعد ان  استحق صفة البطل , وكثرة الإنجازات ترتبط بوجوب وفرة المشاركات التي  تستلزم توفر عوامل فنية وإدارية تقع خارج اختصاص البطل وقدراته مما يعني ان هناك جهات أخرى تشارك في صناعة البطل غير اللاعب الموهوب والاعلام .

اما الاحتراق , فهي ظاهرة نفسية تؤدي بالرياضي الى ترك الممارسة الرياضية  أي الانسحاب او التدمير او فقدان الرغبة وتلاشي دافع التنافس  عند الموهوب قبل ان يصل الى أفضل مستوى متوقع منه , وتقترن هذه الظاهرة بالعديد من المشاعر والاستجابات النفسية السلبية للموهوب , تجاه نفسه والآخرين …ومن الأمثلة الواقعية على هذه الظاهرة  ,  لاعبة التبس الامريكية ” لوري كاستن ” التي أصبحت المصنفة الثانية  في بطولة أمريكا  وهي في عمر الثانية عشرة الا انها اعتزلت في سن الخامسة عشرة معلنة انها غير آسفة  على قرارها .(هلال عبدالكريم : 233 )

قد لايكون الاعلام وحده السبب الا انه من غير شك من بين ابرز الأسباب لان تلك الموهوبة  الصغيرة اشارت يومها الى ضغوط اسرتها والمجتمع الذي تعيش فيه وتلك الضغوط أساسها , الاعلام الذي يحمل الموهوبة اكبر من طاقتها عبر التغطية والاضواء التي تصبح – بسبب كثافتها – حارقة .. ولا شك ان القصص كثيرة وكل رياضي او حتى المتابع يستطيع ان يستحضر اكثر من واحدة بغمضة عين , وقد أجريت تحقيقا صحفيا حول هذه الظاهرة التي اسميتها ” الاعتزال المبكر ” عام 1979 في ملحق الرياضة والشباب في جريدة الجمهورية , ومن بين المتحدثين كان الدكتور علي كمال – رحمه الله تعالى – وهو من ابرز علماء النفس في العراق والوطن العربي , وله شهرة عالمية .

مرحلة النجومية

لا  يرتقي كل بطل الى مرحلة النجومية الا  بتغطية إعلامية واسعة ومستمرة , فقد يحقق الرياضي الموهوب نتائج باهرة في اكثر من بطولة الا انه يظل خارج دائرة الأضواء لأسباب شتى , منها انه أي الرياضي قد يكون انطوائيا لا يرغب في التفاعل مع الاعلام وشروط الظهور المستمر , وقد يكون السبب سياسيا يتعلق بانتماء الرياضي وربما يكون السبب إعلاميا , أي ان المؤسسات الإعلامية لسبب او آخر لا تغطي نشاطات بطل يحرز نتائج متميزة , ومرحلة النجومية تنقسم الى أنواع :

  • نجومية مؤقتة ونجومية مستمرة
  • نجومية حقيقية ونجومية مزيفة
  • نجومية إدارية ( او تدريبية ) ونجومية ميدانية ( اللاعب في المنافسة ) .
  • نجومية محلية ونجومية تتخطى الحدود ( إقليمية , قارية , عالمية ) .

ولكل نوع من أنواع النجومية تلك اشكال إعلامية في التغطية قد تتفق في بعض النقاط الا انها قطعا لا تتطابق في جميعها .

ومن الأمثلة الواقعية على هذه الأنواع من النجومية في الرياضة العراقية فالنجومية المؤقتة هي التي تنتهي مع الاعتزال واما المستمرة فهي التي تستمر بعد ان ينتقل النجم من نشاط الى آخر , من اللعب الى التدريب مثل الراحل عمو بابا او عدنان حمد او من اللعب الى الإدارة مثل رعد حمودي وحسين سعيد وعدنان درجال .

 واما النجومية الحقيقية  فانها  تضم قائمة طويلة لايمكن حصرها في لعبة بعينها , لذا سنختار الأبرز على الاطلاق فنعلن النجم الأول هو الخالد عبدالواحد عزيز صاحب الوسام الأولمبي العراقي الوحيد وقد احرزه في دورة روما عام 1960 بعد ان تساوى مع الرباع السنغافوري هوليانك الملقب بالنمر بالمجموعة ( 380 كغم ) الا ان رباعنا عزيز العزيز في تاريخنا الرياضي كان يزيد بخمسمئة غرام فقط على وزن السنغافوري فاحتل المركز الثالث والوسام النحاسي بعد ان صار الذهب من نصيب الروسي ( السوفيتي يومذاك ) فيكتور بوشيف في وزن الخفيف ..وللمزيد العودة الى الى موسوعة ( الحركة الأولمبية في العراق ) تاليف الدكتور ضياء المنشئ .

واما النجومية المزيفة فمثلها الأبرز في تاريخ الرياضة العراقية الدراج جورج تاجريان وما دارت حوله من حكايات وتغطيات إعلامية لاسيما في أولمبياد المكسيك عام 1968 , وللمزيد العودة الى كتابنا ( الرياضة والبيئة ) الصادر عن الاكاديمية الأولمبية العراقية ,

ولابد من إشارة عابرة الى نجومية البطل عدنان القيسي فهي لا مزيفة ولا حقيقية وانما هي نجومية استعراضية عالمية لم يكن الاعلام العراقي على إحاطة تامة بها مما جعل التغطية الإعلامية تنقسم الى فريقين ( مع وضد ) ..  فالصحفيان الكبيران إبراهيم إسماعيل ومؤيد البدري ومعهما فريق كانا في معسكر الضد والانتقاد واما الكبير شاكر إسماعيل والصحفي المثير للجدل  عبدالقادر العاني  ومعهما فريق فقد  كانا من المعجبين المؤيدين , وفي تغطية نجومية عدنان القيسي تفاصيل كثيرة تحتاج الى بحث اكاديمي موسع لمناقشتها .

اما النجومية الإدارية والتدريبية فقائمتها اكبر من ان تحصر وقد بدأ خطها الصحفيان الكبيران إبراهيم إسماعيل وشاكر إسماعيل في مجموعتهما المصورة التي نشرت في نهاية خمسينات القرن الماضي اذ ذكرا( رجل السيف والرياضة  رفيق عارف ..صاحب فكرة انشاء ملعب الجيش في معسكر الرشيد ) و (ربان الرياضة الأسمر ..كاظم عبادي الذي كان يومها الرئيس الفخري لاتحاد كرة القدم ) و ( رئيس اللجنة الأولمبية العراقية عبدالله المضايفي وتاريخ فريق الحرس الملكي ) و( الاب الروحي للرياضة العراقية ..اكرم فهمي ) ثم تذكر المجموعة التي صدرت بعنوان ” أبطالنا ” عددا من اللاعبين في تلك السنين  موزعين على انديتهم , الميناء , القوة الجوية , المصلحة فضلا عن ابطال الكرة الطائرة وكرة السلة .

وتطول القائمة ففي الإدارة الرياضية العراقية الكثير من النجوم الذين استمر تألقهم في إدارة العابهم من مواقع إدارية مختلفة , نذكر – على سبيل المثال ليس الا – علي الصفار في السلة وأبو عوف في القدم وصباح عبدي في الاثقال وقاسم السيد في المصارعة وقبله الكبير عباس الديك واليوم محمد حسن جلود الذي فاز برئاسة الاتحاد الدولي لرفع الاثقال , ونذكر ظافر عبدالامير في الشطرنج وسعد المشهداني في الرماية , وأسماء أخرى كثيرة .

اما نجوم التدريب واللعب فهم اكثر من ان نحددهم فضلا عن ان نجومية الكثير منهم في مختلف الألعاب مازالت ساطعة , ويمكن العودة الى موسوعة المنشئ التي سبقت الإشارة اليها وكذلك الى موسوعته عن العاب القوى العراقية , وفي نجومية الرياضة النسوية العودة الى كتابنا ” رائدات في الرياضة العراقية ” الصادر عن الاكاديمية الأولمبية العراقية .

 اما النجومية المحلية فتلك التي تكون على مستوى البلد وذلك بسبب محدودية اللعبة أو ندرة المشاركات الخارجية او  عدم دعوة اللاعب الى المنتخب الوطني لوجود اكثر من لاعب بمستوى متقارب  كما في الألعاب الجماعية او لأسباب أخرى تتعلق بطبيعة مجتمع اللعبة !

ان مساهمة  الاعلام في صناعة البطل او رعاية الموهوب , يمر في محطات من التفاصيل التي توصل الى النتيجة النهائية منها :

  • الايمان بمشروع البطل ( فرديا كان او جماعيا )
  • اختيار الخطاب الإعلامي المناسب لكل من , اللاعب مشروع البطل , المدرب , الإداري , المسؤول , والجمهور .
  • تعاطي كل هؤلاء مع الاعلام , من جهة تفاعلهم مع ما يطرح وتقبل الاعلام لردود أفعالهم وتفهمه لرغباتهم وطبيعة كل منهم , مشاعره , مستوى ثقافته , محيطه ( بيئته ) …
Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *